السلوكيات الغير مرغوبة كالصراخ أو البكاء أو الضرب أو الإلحاح إلخ.. قد تحصل في بيئاتٍ مختلفة كالبيت والمدرسة والأماكن العامة، وقد تكون هذه السلوكيات خطيرة كإيذاء الذات، أو يقتصر أثرها على الإزعاج والضجر وتُسبِّب توتُّرًا للأهل كالصراخ والبكاء والإلحاح.
وقد لا تنخفض السلوكيّات الغير مرغوبة وتستمرّ بالحدوث أو ربما تزيد على الرغم من محاولة تقليلَها، فما هي المشكلة إذًا؟
يوجد العديد من الاحتمالات وسوف نتناول على ثلاثة منها:
الأول: معرفة ما إذا كان السلوك الغير مرغوب كإيذاء النفس بالعضّ أو ضرب الرأس يحدث بسبب ضعف في التواصل، هل يضرب الطفل نفسه لأنه يريد الحصول على طعام أو لعبة ولكن لا يستطيع أن يطلبها، فيقوم بضرب نفسه للحصول على ما يريد. إذا كانت توجد مشكلة في التواصل فيجب التركيز على تعليم الشخص التواصل بالطريقة المناسبة للحد من المشاكل السلوكية (للمزيد عن علاقة المشاكل السلوكية والتواصل).
الثاني: معرفة سبب حدوث السلوك فقد يقوم الطفل بالصراخ لغرض الحصول على الانتباه أو الهروب من شيء لا يرغب به، أو الحصول على شيء مادي لعبة مثلًا، فيقوم بالصراخ للحصول على ما يريد، علينا – لحلّ المشكلة- معرفة السبب لحدوث السلوك ومن ثم وضع خطة علاج بناءً على نفس سبب حدوث السلوك (للمزيد عن أسباب حدوث السلوك).
الثالث: معرفة وتحديد ما هو جدول التعزيز الذي أدّى إلى استمرار السلوك الغير المرغوب؟ لكل سلوك مستمرّ هناك معزز (للمزيد عن جداول التعزيز).
مثال: طفل يطلب لعبة معيّنة فتُقَدَّم إليه اللعبة في كل مرة يطلبها. عادةً سيتوقّف الطفل عن الطلب إذا قام بطلب اللعبة ولم يحصل عليها لأنه في الماضي احتاج أن يطلب اللعبة لمرة واحدة فتكون اللعبة أمامه فورًا، فعند عدم حصوله على اللعبة بعد طلبه إياها ٣ مرات مثلا، فسوف يتوقّف عن الطلب.
المثال أعلاه من أمثلة جداول التعزيز الثابتة وهي من أسهل الجداول التي لا تحتاج لمجهود كبير لحل السلوكيات غير المرغوبة.
مثال: طفل يُطالب مرارًا بالحصول على اللعبة فتُخبره الأمّ أنّه لن يحصل عليها إما لأنّ الوقت غير مناسب أو أنّها غير متوفّرة، لكنّ الطفل يستمرّ بالطلب ويُلحّ ويُصرّ ليحصل على اللعبة.
تفسير المثال من الناحية السلوكية:
في الماضي مع مرور الزمن قام الطفل بطلب اللعبة أول مرة لكنّه لم يحصل عليها، ثم طلبها مرة ثانية ولم يحصل عليها أيضا، ثم قام بطلبها خمس مرات أخرى فحصل عليها ربما لأنّه تسبب بإزعاج لأهله. وفي يوم آخر قام الطفل بطلب اللعبة عشر مرات وحصل على اللعبة، مع مرور الزمن يتعلّم الطفل أنّه إذا استمرّ في طلب اللعبة عدة مرات فإنّه سوف يحصل عليها عاجلًا أم آجلًا فقط عليه الاستمرار والإلحاح، وغالبًا ما يكون عدد مرات الطلب متغير في كل مرة، ففي يوم ما قد يُكررّ الطلب ١٥ مرة ويحصل على اللعبة، وفي يوم آخر قد يطلبها ٧ مرات ويحصل على اللعبة أيضًا وهكذا يستمرّ السلوك في الحدوث.
يُعتَبَر هذا المثال من جداول التعزيز المُتقطّعة، وهذه الجداول أثبت وأرسخ للسلوك بمعنى أنّ صاحبها يستمرّ عليها بشدة أكثر من جداول التعزيز الأخرى، وهذه نقطة قوة ومشكلة في ذات الوقت، فتكون نقطة قوة إذا كان السلوك جيّدا فسيستمرّ صاحبه عليه وهو ممتاز جدًا لتعليم سلوكيات جديدة مرغوبة، وتكون مشكلة مثل مثالنا السابق أي إذا كانت السلوكيّات غير مرغوبة، وإذا أردنا تغييرها فإنها أصعب من جداول التعزيز الأخرى وتأخذ جهدًا أكبر، إلّا أنّ تغييرها ممكن بحول الله.